مشاري عبدالله محمد الروضان

  • 2013-09-16 12:51:09

ولد المحسن مشاري عبدالله محمد الروضان – رحمه الله - عام 1294م الموافق لعام 1877م، في حي الشرق بمدينة الكويت ، وكان وحيد أبيه الذي توفي في سن مبكرة من عمره.
تحمل المسؤولية بعد وفاة والده – رحمه الله – على خير وجه، وكان له مجموعة كبيرة من العمات (أخوات أبيه)، وكن متزوجات ولهن أسر، فنشأ مرتبطاً بمجموعة كبيرة من الأسر الكويتية في ذلك الوقت، مما انعكس إيجابياً على شخصيته كما سيتضح لنا بعد قليل.

تعليمه

تلقى المحسن مشاري الروضان – رحمه الله - تعليمه الأولي بالكُتّاب، شأنه شأن أقرانه آنذاك، ولكنه أتم – بفضل الله تعالى - حفظ القرآن الكريم، ودرس النحو والصرف، وتعلم الخط والقراءة والكتابة، وشيئاً من الحساب.

نسبه وعائلته

ينتمي المحسن مشاري عبد الله الروضان - رحمه الله - إلى عائلة الروضان، وهي من أولى العوائل التي نزحت إلى الكويت، ومن ثم كان لها شرف المساهمة في تأسيس دولة الكويت، وكان له هو شخصياً شرف المساهمة في وضع لبنات الكويت الحديثة. 
وكان لهم – بالتالي - دور بارز في جميع المواقف التاريخية المهمة التي ساهمت في صنع الكويت وبلورة شخصيتها وهويتها، كما كان لهم دور كبير في جميع المواقع والمعارك التي خاضها أبناء الكويت للذود عن حياضها وحماية بيضتها.
وكان من الطبيعي أن يسقط لهم شهداء - وهذا شرف لا يدانيه شرف - ومنهم على سبيل المثال – لا الحصر - الشهيد حمود الروضان، والشهيد محمد الروضان، الذين استشهدوا في معركة الصريف، وقد صدق النبي صلى الله عليه وسلم إذ يَقُولُ: "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدُ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدُ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدُ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ" رواه الترمذي.

زواجه

للزواج المبكر فوائد كثيرة، وخاصة في ذلك الوقت، لتكوين الأسر وتحقيق الاستقرار النفسي وإنجاب أبناء يعينون الأب في شؤون حياته، ويخففون عنه بعض صعابها، وقد تزوج الشاب مشاري عبد الله الروضان – رحمه الله - في سن مبكرة من حياته، من سبيكة عبدالمحسن يوسف عبدالمحسن عبداللطيف فايز عبدالمحسن الخميس التي رزقه الله منها بأربعة أبناء هم: عبد الله وخالد ويوسف وأحمد، كانوا خير عون له في الحياة.

عمله بالتجارة

لما أراد مشاري الروضان - الشاب الناضج الذي خبر الحياة مبكراً وتعلم منها - أن يمارس مهنة أو حرفة يتكسب منها، ليعف نفسه وأهل بيته، لاسيما أن الإسلام حث على العمل وأعلى مكانته في أكثر من موضع من الكتاب والسنة، منها قول رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ" رواه البخاري.
ولم يجد – رحمه الله - خيرا من مهنة التجارة، فعمل فيها وتنوعت نشاطاته وشملت العديد من المواد والسلع، وكانت أهم أعماله التجارية التي زاولها تجارة اللؤلؤ التي كانت مزدهرة في ذلك الوقت، وقد نجح فيها – بفضل الله تعالى – وحقق من خلالها أرباحاً كبيرة، إذ تعددت رحلاته التي كان يقوم برحلات عديدة إلى الهند لترويج تجارته. 
وقد ورث عنه أحد أبنائه - وهو عبدالله - حبه لهذه المهنة، وتميز فيها بالخبرة العالية الواسعة، بينما تفرغ ولداه خالد ويوسف لمزاولة أنواع أخرى من التجارة، وقاموا أيضاً برحلات عدة موفقة إلى الهند وسواحل إفريقيا واليمن. 
وقد امتلكت أسرة الروضان عدداً من السفن الشراعية ومنها "البدري" وعددا من نوع الشوعي ومنها "الزاهي"، وقد صنعت خصيصا للأسرة في الهند، ومنها ما تم شراؤه من تجار الكويت. 
كما كان للأسرة نقعة معروفة في منطقة الشرق،() تسمى نقعة الروضان، وهي مرسى للسفن الشراعية، كانت ترابط فيه سفن الروضان وغيرها من سفن السفر. وكانت تقع مقابل ديوان وعمارة الروضان، وبجانب نقعة هلال المطيري.

صفاته وأخلاقه

تميز المحسن مشاري الروضان – رحمه الله - بالعديد من الصفات الحميدة والخصال الكريمة، التي دلت على حسن فهمه للإسلام واستفادته من حفظه لكتاب الله الخالد، الذي حض في أكثر من موضع على التحلي بالأخلاق الحسنة.
ومن الصفات هدوء الطبع وقلة الكلام وصواب الرأي، مما أهله لأن يكون عضواً في العديد من المجالس التي أنشئت في الفترة الأولى والحقبة المبكرة من تاريخ الكويت الحديثة، كما أشرنا من قبل.. والتي كانت تتعاون وتسهم في تقدم الدولة واستقرارها من خلال المشاركة في بذل المشورة للحكومة آنذاك.

مثال للأمانة والصدق

كان الرجل كريم الأصل.. محمود النسب. وكان لجده - محمد الروضان - قصة معروفة لا يزال يذكرها التاريخ بحروف من نور - وقد أحسنت وزارة التربية صنعاً إذ جعلتها في مناهج مدارسها - عن الأمانة والصدق، وتدرس لأبناء المرحلة الابتدائية.
وخلاصة هذه القصة أن جده هذا – محمد الروضان - رحمه الله كان جالساً ذات يوم مع بعض رفاقه في أحد المجالس، وبينما هم يتسامرون ويتجاذبون أطراف الحديث في جو من الود والصفاء، إذ دخل عليهم مجلسهم أعرابي، وتوجه بحديثه إلى محمد الروضان، طالباً منه أن يرد أمانته التي تركها عنده وقيمتها خمسة آلاف روبية! وكان يمثل مبلغاً كبيراً في ذلك الوقت.
أُسقط في يد الرجل وألجمته الدهشة، إذ انه لأول مرة يرى هذا الرجل، لم يسبق له أن رآه ولا أخذ منه شيئاً، ترى ما الذي حدث؟ لابد أن في الأمر لبساً، ولابد أن هذا الرجل قد أخطأ طريقه، فكر بسرعة... واتخذ القرار.. ووجه حديثه للرجل بكل ثقة: "احضر غداً لتستلم أمانتك"!
وبالفعل استطاع محمد الروضان – رحمه الله - أن يدبر المبلغ بطريقة أو بأخرى، فحضر الرجل، فدفع إليه كيساً به الخمسة آلاف روبية، فأخذها الرجل وانصرف مسرعاً لا يلوي على شئ.
وبينما كان الرجل عائداً من حيث أتى استوقفه رجل في دكان، وسأله: ألست أنت الذي تركت عندي أمانة منذ كذا وكذا فتذكر الأعرابي، وعلم أنه أخطأ في معرفة الرجل، وتذكر أنه فعلاً ترك الأمانة مع هذا الرجل في هذا الدكان وليس لدى محمد الروضان، فقال: نعم، فدفع الرجل إليه وديعته!
وتعجب الرجل مما فعله محمد الروضان وتساءل: كيف يحدث هذا؟ كيف يعطيني مالاً لم أعطه إياه؟ لابد أن في الأمر سراً، وما كان لهذا الرجل الغريب أن يبخس الرجل حقه: "هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ (60)"؟ سورة الرحمن.
فعاد مسرعاً إلى محمد الروضان، ودفع إليه نقوده واعتذر عن خطئه أمام الجميع. تعجب رفقاء السيد محمد الروضان وجلساؤه وتساءلوا في دهشة: لماذا فعلت هذا، لماذا أعطيت الرجل مالاً لم يستحقه ولم تأخذه منه أصلاً؟ فأجاب الرجل إجابة تدل على ذكائه وحسن تقديره لعواقب الأمور، وحرصه على سمعته بين الناس، مهما كان الثمن، قال: "لو أنكرت ما قاله الرجل، وقلت له أنك لم تعطني شيئا – وهذا هو الواقع بالفعل – ربما لم يصدقني بعضكم، وقد تشكّون فيّ، والشيطان يجري بين ابن آدم مجرى الدم، وأنا أحرص على سمعتي بينكم، فتصرفت في جمع هذا المبلغ بسرعة وأعطيته للرجل!
فعجب الناس لرده الشافي ومنطقه البليغ وإجابته المقنعة. وصدق الله. "... وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ... (3)" سورة الطلاق.
أوجه الإحسان في حياته

كان المحسن مشاري الروضان – رحمه الله - يعلم أن الإحسان من أعلى مراتب الإيمان، وأنها دليل على حب الرحمن، قال سبحانه وتعالى: 
".. وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)" سورة البقرة

ولو لم يكن للإحسان من مقابل أو أجر سوى حب الله تعالى لكفى به أجراً حسناً. فمن أحبه الله


كان سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها.


ولقد تعددت أوجه الإحسان وصوره في حياة المحسن مشاري الروضان - رحمه الله –



فشملت:



عمارة المساجد
المسجد مهبط الرحمات، فيه تتلى الآيات وتؤدى الصلوات، تحت سقفه وبين جدرانه يحفظ كتاب الله.. وينشر العلم النافع.. ويلتقي المسلمون من شتى الأصقاع وسائر البقاع ومختلف الأجناس والألوان، لا فرق بين أعجمي وعربي إلا بالتقوى، هي خير بقاع الأرض وأكثرها بركة .. وأطهرها موطناً وأطيبها منزلاً.. ولهذا حرص المحسن مشاري الروضان - رحمه الله – على بناء أكثر من بيت لله تعالى داخل الكويت وخارجها، فبنى مسجداً في منطقة الفحيحيل بدولة الكويت، كما تكفل – رحمه الله - ببناء مجموعة من المساجد في دولة بنغلادش، تعد مراكز إسلامية وليست مساجد فقط، حيث يضم كلاً منها مسجداً ومدرسة لتحفيظ القرآن الكريم.



ولم يكتف - رحمه الله - بهذا القدر بل حرص على استمرار أداء هذه الُّدور لرسالتها من خلال توفير نفقاتها الدائمة، فأوقف – رحمه الله - عليها مجموعة من المحلات للإنفاق من ريعها على المسجد والمدرسة، وكذلك توفير رواتب الإمام والمؤذن.
وقد ساهم بهذه الأعمال من خلال ابنه عبدالله الروضان الذي كان وزيراً للأوقاف والشؤون الإسلامية في دولة الكويت آنذاك، الذي أحاطه علماً بظروف هذا البلد الفقير المسلم ، والذي أشرف على تنفيذ هذه الأعمال بعد وفاة والده – رحمه الله - مباشرة أي عام 1967م.


مسجد مشاري الروضان بالفحيحيل



أسس المحسن مشاري الروضان - رحمه الله - في الستينيات مسجداً حمل اسم عائلته وهو: "مسجد الروضان" وذلك في منطقة الفحيحيل، والمسجد لا يزال قائماً حتى الآن يؤدي رسالته الخالدة في إنارة حياة المسلمين، كما ذكرها الحق جل وعلا في كتابه العزيز:


"فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37)" سورة النور.

وقد أشرف على بناء المسجد ابنه عبد الله الروضان، وذلك بعد ما رأى حاجة هذه المنطقة للمساجد، في ذلك الوقت، أي منذ حوالي أربعين سنة.



إطعام الطعام



كان المحسن مشاري الروضان – رحمه الله - وهو الحافظ لكتاب الله الكريم يعلم ثواب إطعام الطعام، وأن الله تعالى وصى به عباده الأبرار في قوله تعالى:


"وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8)" سورة الإنسان. 

لذا حرص – رحمه الله - على أن يتحلى بهذه الصفة المباركة من صفات عباده الأبرار، فجعل ديوانه - الكائن بشارع الخليج حالياً - مضافة كبيرة لأهل الكويت وضيوفها وزائريها من كل مكان. وهذا الديوان كان قد أسسه والد المرحوم مشارى الروضان في أواخر القرن الثامن عشر - أي أن عمره الآن يتعدى المائتي عام.
ولحرص ابنه المحسن مشاري عبدالله الروضان على استمرار أداء هذا الديوان لدوره الخير كمضافة كبيرة يقدم فيها الطعام وصنوف الكرم الأخرى للقاصي والداني وخاصة عابري السبيل، فقد قام – رحمه الله - منذ أكثر من مائة وعشرة أعوام – عام 1893 - بإعادة تجديده وبنائه. فكان من أوائل الدواوين التي أنشئت بدولة الكويت والتي كان يجد فيها المسافر راحته والغريب ضالته والجائع طعمته.
 
كفالة الأسر



وهذا وجه آخر مشرق من أوجه الخير والإنفاق في حياه المحسن مشاري الروضان - رحمه الله - حيث أدرك الخير العظيم والثواب الكريم لمن تكفل بأسرة محتاجة مات عائلها أو نضب معين دخلها، أو أصابها بلاء أو كارثة، عاملاً في ذلك بقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ" رواه البخاري في صحيحه.



ولذا تكفل – رحمه الله - بالعديد من الأسر الكويتية المستترة والمتعففة، سواء بالمال أو الزاد أو الكساء وغيره، وذلك كان سراً لا يعلم به إلا عدد محدود من المقربين إليه من أفراد أسرته. 
ولا تزال هذه العادة الطيبة قائمة – بفضل الله تعالى – في أبنائه وأحفاده حتى يومنا هذا، وصدق الله العظيم القائل في كتابه العزيز: "وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)" سورة الطور
نجدة بلاده بكل أمواله
لم يقل دور المحسن مشاري الروضان في خدمة وطنه عن دوره في خدمه ذوي الحاجة من أبناء وطنه أو غيرهم من المسلمين، بل والمحتاجين بشكل عام، ومن المواقف المشهورة عنه والتي يرويها حفيده ناصر الروضان أنه عندما نشبت معركة هدية عام 1328هـ واحتاج الحاكم آنذاك إلى الدعم لتهيئة أبناء الوطن للقتال والذود عن وطنهم، وأمر الشيخ مبارك الصباح – رحمه الله – أهل الكويت بالاستعداد للحرب وكلفهم مؤونة الجيش من ركاب وسلاح وزاد.()



هنا سارع المحسن مشاري الروضان إلى مزرعته الموجودة في جزيرة فيلكا، وكانت فيها كل ثروته من الخيول والجمال والأغنام. 

فأحضرها ولم يبخل بها، بل قدمها لحاكم الكويت آنذاك، تلبية لندائه (نداء الوطن) كنوع من البذل والإنفاق للدفاع عن الوطن والذود عن حماه، مطبقا قوله الله تعالى: "إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ.... (111)" سورة التوبة.



صنائع المعروف تقي مصارع السوء



عندما تعرض المحسن مشاري الروضان - رحمه الله - لموقف صعب في حياته عاشت عائلة الروضان هذا القول المأثور ورأته رأي العين، إذ غرقت سفينته ذات يوم في إحدى رحلاته التجارية، عندما هبت رياح عاتية، وزمجرت الأمواج وأخذت السفينة تعلو وتهبط وتميل يميناً وشمالاً.. وأوشكت على الغرق، وكتم الجميع أنفاسهم، وشرعت ألسنتهم تتوجه إلى الله ورفعوا أكفهم بالدعاء...وكان على ظهر السفينة صاحب هذه السيرة مع أولاده وأحفاده وأمواله وأموال غيره من تجار الكويت، وكانت موضوعة في "إخياش: أكياس"، ولما وقعت الحادثة وغرقت السفينة تجسدت النخوة العربية والمروءة والنجدة، فسارع أهل الكويت لإنقاذ ركابها أولاً، ثم واصلوا الليل بالنهار في البحث عن السفينة الغارقة .. إلى أن وجدوا الأكياس وما فيها من أموال كاملة غير منقوصة في أعماق الخليج، وصدق القائل: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء". 
ومن اللطيف أن هذه الأموال ظلت متداولة لأكثر من ثلاث سنوات من بعد هذه الحادثة، باسم أموال الروضان لتميزها عن غيرها بما علق بها من صدأ. 
وهكذا كتب الله الحياة لإفراد العائلة جميعاً وأموالهم، بل وأموال الكثيرين من أهل الكويت، ولولا فضل الله ورحمته ثم نجدة أهل الكويت وشهامتهم في إنقاذ هذه العائلة ربما فنيت عن آخرها وصارت أثراً بعد عين. 
وقد أحس المحسن مشاري الروضان بفضل الله عليه بعد هذه الواقعة، وعلم أن فعل الخير سبيل لرحمة الله تعالى وعونه وحفظه، فحرص على مواصلة التبرع والإنفاق داخل الكويت وخارجها، فكان ملجأً كل محتاج سواء لدعم مادي أو عيني. 
 
دوره الوطني



كان للمحسن مشاري الروضان دور كبير في دعم حركات التحرر الوطني والثورات العربية ضد الاحتلال الأجنبي الذي كان يهيمن على كثير من البلاد العربية آنذاك، فكانت له مساهمات مالية في دعم ثورة الجزائر، ودفع العدوان الثلاثي على مصر، ودعم فلسطين. 
فلم يتوان في تقديم المساعدة لأي دعوة للتبرع قامت آنذاك، والمساهمة في نهضة وتحرر أي قطر في أنحاء الوطن العربي الكبير، وكانت هذه التبرعات باسمه هو تارة، وباسم أحد أحفاده تارة أخرى، وباسم فاعل خير أحياناً. وذلك عملا بحديث النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي قال: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ" رواه البخاري.
وهكذا يتضح الحس الوطني والشعور القومي عند المحسن مشاري الروضان - رحمه الله - مما كان له دور كبير في تحقيق مكانة مميزة للكويت، وبلورة دورها وموقفها العربي والإسلامي المميز والمشرف.
وقد كان ولا يزال لأولاده دور بارز ومشهود في نهضة الكويت الحديثة ودعم اقتصادها، وعلى هذا الدرب لا يزال يسير أحفاده في خدمة وطنهم الكويت من خلال المناصب التي يتبوؤنها، معتقدين تمام الاعتقاد أن خدمة الوطن والإخلاص له من علامات حبه، وأن هذا البلد يستحق الكثير والكثير.



وفاته:
ظل المحسن مشاري الروضان يواصل عطاءً بعطاء، وجهداً بجهد، وبذلاً للخير، طوال حياته المليئة بالجهد والعطاء والبذل والسفر والترحال. 
وكانت وفاته – رحمه الله - في الخامس والعشرين من شوال عام 1386هـ الموافق للخامس من فبراير عام 1967م، بعد 90 عاماً قضى جلها في العمل والكفاح في سبيل الله.
نسأل الله تعالى أن يرحمه رحمة واسعة، وأن يسكنه فسيح جناته مع الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
المصادر والمراجع
-


مقابلة مع السيد ناصر عبدالله الروضان حفيد المحسن المرحوم مشاري عبدالله الروضان.

- تقويم القرون لمقابلة التواريخ الهجرية والميلادية – د. صالح محمد العجيري – مكتبة العجيري – الكويت 1967م.
- صناعة السفن الشراعية في الكويت - د. يعقوب يوسف الحجي – مركز البحوث والدراسات الكويتية – الطبعة الرابعة – الكويت 2001م.
- حكايات من الكويت – الشيخ عبدالله النوري – ذات السلاسل – الكويت 1985م.
وثق هذه المادة حفيده السيد ناصر عبدالله الروضان.

منقول محسنون من بلادي


ماذا قال الزوار

قيم هذة الخدمة

مدي رضاءك عن الخدمه

  • راض
  • محايد
  • غير راض

إضغط "أعجبني"
ليصلك جديد الموقع علي صفحتك علي الفيسبوك