وزير الدفاع السوري العماد علي حبيب
- 2013-09-18 09:23:56
وزير الدفاع السوري العماد علي حبيب لـ «الأنباء»: ما فعلته سورية في تحرير الكويت هو حق العربي على أخيه العربي.. وليس فيه منّة
اعتز بتكريم الأمير الراحل الشيخ جابر لي عندما قلدني وسام الكويت ذا الوشاح الأكبر من الدرجة الأولى
ربما لأنه يكاد لا يظهر إلا نادرا، ولكونه، حسبما نسمع عنه، يقضي جُل وقته في عمله الذي يستغرق منه الساعات الطوال من ليله ونهاره... فقد ارتسمت في مخيلتي ملامح صورة للعماد علي حبيب وزير الدفاع في الحكومة السورية تتمثل في رجل تعلو سيماه الجدية والتجهم بآن، لا يبتسم، ولا يجيب عن سؤال ما إلا بكلمات مقتضبة معدودة، ومحدودة الدلالة.
أعترف بأن هذه الصورة التي لا أدري سببا واحدا مقنعا لارتسامها في ذهني هي التي كانت «تهيمن» على ذاكرتي وعلى عقلي الباطن..
عندما حصلنا على موعد لزيارته ومقابلته مع وفد جمعية الصحافيين الكويتيين التي زارت سورية خلال شهر فبراير الجاري، يتقدمنا رئيس الجمعية احمد البهبهاني ونائب رئيس التحرير الزميل عدنان الراشد بهدف استضافته على صفحات الصحيفة بمناسبة العيد العشرين لتحرير الكويت، كونه أحد أهم القادة العسكريين العرب الذين قادوا معارك مواجهة الغزو الصدامي، وشاركوا في طرد الغزاة وتحرير الكويت العزيزة.
كانت تلك الصورة هي الماثلة أمام عيني وفي ذاكرتي، والتي أؤكد أنني لا أدري ولا أعرف سببا واحدا لارتسامها كما ذكرت.. ومنذ بداية اللقاء تبدلت تلك الصورة وتبددت، وحلت محلها الصورة الحقيقية والطبيعية لهذا الرجل الكبير مقاما وموقفا.. إنه رجل لا تفارق الابتسامة شفتيه... الترحاب والشعور بالسعادة للقاء «الأشقاء الكويتيين» لا يكادان يفارقان تعابيره.. والأصالة العربية والغيرية ترتسمان على محياه.
ومنذ اللحظات الأولى - وفيما كان يصافحنا بمودة واعتزاز قال وزير الدفاع السوري العماد علي حبيب: أعتبر مجرد قدومكم وزيارتكم لي وتكبدكم عناء السفر من الكويت العزيزة إلى دمشق بلدكم وبلد كل عربي غيور هو تكريما كبيرا أعتز به ومعي كل الاخوة المقاتلين العرب السوريين الذين كان لهم شرف الإسهام في تحرير الكويت.. بل سورية كلها قيادة وحكومة وشعبا كان لها ذلك الشرف، وكذلك الآن الرئيس بشار الأسد القائد العام للجيش والقوات المسلحة رئيس الجمهورية.
حديث القلب
وفي أثناء الزيارة قال العماد علي حبيب: ليس من عادتي ولا من طبيعة عملي أن أتحدث للصحف ووسائل الإعلام أو أن أظهر عبر شاشات التلفزة، لكن الحديث معكم.. مع أشقائنا الكويتيين سيكون حديث القلب للقلب.. حديث الاخوة الذين تجمعهم رابطة الدم والمصير.. لاسيما أن هذا الحديث مرتبط بمناسبتين عزيزتين غاليتين على قلوبنا نحن السوريين تحديدا.. أولاهما: العيد العشرون لتحرير الكويت وعودتها عزيزة منيعة إلى حضن أمتها العربية فاعلة ومؤثرة، وثانيتهما: العيد الخامس لتسلم صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد ـ حفظه الله ومَنّ عليه بمزيد من الصحة والقوة ـ قيادة دفة سفينة البلاد.. وكيف لا، وهو الربان الماهر، والحكيم العربي القادر، وأرجو أن تنقلوا عني محبتي واحترامي واعتزازي بالكويت الشقيقة شعبا وقيادة سياسية وعسكرية وأميرا، وتمنياتي لهذا البلد الشقيق ولأهله الكرام بالمزيد من النجاح والتوفيق والتقدم والازدهار.
وسام الكويت
وأضاف العماد علي حبيب: إنني أعتز كثيرا بتكريم سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد – طيب الله ثراه - لي عندما قلدني وسام الكويت ذا الوشاح الأكبر من الدرجة الأولى، الذي أفخر به وأعتز وأعلقه على صدري إلى جانب الأوسمة العديدة التي كرمتني بتقليدي إياها قيادة وطني الحبيب سورية.
وهنا تدخل الزميل احمد البهبهاني قائلا: شكرا لمعاليكم.. شكر الكويت كلها لكم سيادة العماد لما قدمتموه لبلدنا وشعبنا أثناء المحنة القاسية التي مررنا بها أيام الاحتلال، وهذا ليس غريبا ولا بعيدا عن سورية الشقيقة وقيادتها الحكيمة وشعبها العربي الأصيل.. لقد كانت الوقفة العظيمة والعروبية الأصيلة والشجاعة للقائد الراحل حافظ الأسد - رحمه الله وطيب ثراه - تعبيرا حقيقيا وميدانيا عن أصالة سورية وموقف قيادتها الشجاعة تجاه غزو الكويت، وتجلت هذه الوقفة في مبادرة سورية العاجلة بالمشاركة في صد الغزو وإخراج الغزاة من بلدنا.. وما تكريمكم إلا تعبير رمزي عن شكر الكويت لسورية ولشعبها ولجيشها ولقيادتها الحكيمة.
حديث التاريخ
وبكل المودة للكويت... استذكر العماد علي حبيب لحظة القرار السوري بالوقوف إلى جانب الكويت شعبا وقيادة في مواجهة الغزو، حيث قال: في 10 أغسطس من العام 1990 تبلغت قرار القائد العام للجيش والقوات المسلحة بتكليفي بقيادة القوات السورية المشاركة في مهمة تحرير الكويت على أن أكون في صبيحة اليوم التالي في المملكة العربية السعودية ثم تصل القوات الخاصة طليعة قوات الصاعقة وأكثرها تدريبا، تليها بقية القوات العربية السورية التي شاركت في التحرير.
وهنا يبتسم حبيب قائلا: أتذكر أنني طلبت من القيادة مهلة يوم واحد لإيصال أسرتي إلى القرية التي تبعد250كم عن دمشق.. لكن الجواب جاءني حازما صارما: الوقت لا يسمح بتأخير ساعة واحدة، وإقلاع الطائرة سيكون في الثامنة والنصف صباحا، وطلب مني أن أتصل فور وصولي بالاخوة القادة السعوديين والكويتيين للتنسيق معهم، وهو ما حصل بالفعل.
في منتصف ديسمبر عام1990م، وفي أول إجازة أسافر فيها إلى دمشق طلبني القائد حافظ الأسد، ولدى مقابلته رحمه الله سألني عن أحوال القوات العربية السورية.. عن إقامتها، وأماكن تمركزها ومدى تكيفها مع طبيعة الصحراء القاسية، وعن مدى استعداد المقاتلين لمواجهة شتى الاحتمالات، كما سألني عن معنوياتهم وهو ما كان يركز عليه دائما فأجبته عن تساؤلاته كلها، وقبل أن أغادر قال لي: «يا علي إن وقوفنا اليوم إلى جانب إخواننا في الكويت سيذكره التاريخ».
التحول من الدفاع إلى التحرير
واستعرض العماد علي حبيب مراحل تجميع القوات السورية الخاصة المشاركة في تحرير الكويت وأماكن حشدها وتمركزها في منطقة حفر الباطن في المملكة العربية السعودية، موضحا أنها وبسرعة قياسية أصبحت في كامل الجاهزية. وأشار إلى قيامه بمهام عدة في وقت واحد، وعلى جبهات عديدة كاستطلاع القوات الغازية، والتحضير لاستقبال قوات جديدة (فرقة مدرعة)، وفتح محاور القتال وترسيم المواقع وإحداث مشفى ميداني، وتجهيز المواقع الدفاعية على الحدود السعودية - الكويتية، ذاكرا التعاون الكبير والاندفاع الخلاق للقيادات السعودية والكويتية.. وأضاف معاليه: عندما أبلغتني القيادة بالتحضير لاستقبال الفرقة المدرعة إضافة إلى القوات الخاصة (الطليعة) أدركت أن مهمة خوض معركة تحرير الكويت الشقيقة قد بدأت. وفي يوم 22 فبراير من العام 1990 أخذت قواتنا تتحرك باتجاه الكويت للمشاركة في تحريرها، وفي السادس والعشرين من الشهر نفسه كلفنا بمهمة تحريك كتيبة من القوات الخاصة لدخول الكويت، وفي اليوم التالي كانت الكتيبة على أرض الكويت.
العلم السوري يرتفع على السفارة
يقول العماد علي حبيب: لقد كان يوم 28 فبراير يوما تاريخيا، ففي صبيحة هذا اليوم تم رفع العلم العربي السوري على السفارة السورية في الكويت، في إشارة رمزية إلى أن الكويت عادت كما كانت دولة حرة مستقلة، وقد شارك في احتفال رفع العلم السوري جمع غفير من أبناء الجالية العربية السورية في الكويت، إضافة إلى الأشقاء الكويتيين والسعوديين، وكان هذا مشهدا رائعا لن أنساه، كما لن ينساه كل من شارك فيه وحضره.
دم الشهداء السوريين يروي أرض الكويت
ويستذكر وزير الدفاع السوري قائلا: أذكر أننا كنا في اجتماع ضم القوات العربية المشاركة في تحرير الكويت في منطقة تدعى على ما أذكر «أم الهيمان» وتقع جنوب الكويت، وفي أثناء الاجتماع هطل المطر... لاحظنا أن لونه أسود، فأدركنا أنه نتيجة لانطلاق الدخان من آبار النفط، وأن هذا الدخان ناجم عن المتفجرات، فاتخذنا قرارا بتفتيش كل أحياء الكويت بحثا عن الذخائر والمتفجرات، وكانت حصة القوات السورية منطقة (حولي) ، وخلال 3 أيام نظفت قواتنا المنطقة بعد تمشيطها، ثم كلفت بتفتيش منطقة (الجهراء)، ولدى القيام بعمليات جمع الأسلحة والذخائر والمتفجرات والآليات جرح16 مقاتلا سوريا، واستشهد ثمانية مقاتلين رووا بدمائهم أرض الكويت الشقيقة، وهكذا امتزج الدم العربي السوري بالتراب الكويتي في تعبير خلاق عن وحدة الدم والهدف والمصير.
الراشد: القوات السورية وفرت الحماية للكويتيين والفلسطينيين
وتدخل نائب رئيس التحرير الزميل عدنان الراشد قائلا: سيادة العماد نحن حينها كنا داخل الكويت.. وكنا نسمع الكثير عن اللواء علي حبيب وعن القوات الخاصة السورية.. ما أديتموه من مهمة قومية شجاعة هو مفخرة.. وسيسجله التاريخ لسورية الشقيقة وللقائد الخالد حافظ الأسد، ولدماء الجنود والضباط السوريين، إضافة إلى الجالية السورية الكبيرة والعزيزة على الكويت، وإننا في الكويت نحتفظ لكم بكل الاعتزاز والتقدير والاحترام.
مهمة قومية.. وتهنئة ومحبة
وختــــم العماد علي حبيب حديــــث القلب لـ «الأنباء» قائلا: ما فعلته ســــورية، وجنودها الــــذين أسهموا في تحرير الكويــــت، هو مهمة قـــومية بكل ما تعنيه هذه العبارة من أبعاد، وهو حق للعربي على أخيه العربي.. وليس فيه منة، لأن روابط التاريخ واللغة والأرض.. وغيرها من الروابط الأخرى كلها تؤكد أننا ينبغي أن نظل دائما كأعضاء الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.. كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مرحبا بكم في بلدكم سورية أخوة أعزاء، واعــذروني لأنني لم يسبق وتحدثت للإعلام، لكنه حديث القلب للقلب.. من قلوب الســوريين إلى قلوب الكويتيين.. مع كل المــحبة والاعتزاز والتهنئة والتـقدير للكويت أميرا وحكومة وشعبا بعيد تحرير الكـويت، وبمناسبة تسلم ســــمو الأمــير حفظــه الله راية قيادة الكويت الشقيقة.